راحة الجسد في تركيا

راحة الجسد في تركيا
سمير البرغوثي
بين الدوحة ومطار إستنبول الجديد أربع ساعات على متن الطائر الميمون، وجدت نفسي مع سائق سيارة يجيد الحديث بلغات ثلاث، العربية والإنجليزية، إضافة إلى لغة قومه التركية، فحمدت ربي، لأن المواطن التركي إذا استطاع التواصل معك تتفتح قريحته ويقدم لك كل خدماته بأمانة وإخلاص، بل تصبح تركيا أمامه خريطة مفتوحة، أما إذا لم تستطع التواصل معه ولم يفهمك، يصبح عصبيا، فيقوم بإيصالك إلى وجهتك وهو في أسوا حالاته النفسية، ولا ينبس ببنت شفة، وإن تحدثت معه بلغة لا يفهمها (تقوم قيامته)، وكأنه يقول لك اسكت رجاء، دار بيني وبينه حديث، إبتدأ بسؤال وإنتهى بعناق، سألته : هل تحب العرب؟ ..إبتسم ولم يجب لكنه عانقني، فكان ذلك تعبير عن حبه، وأنه قد غفر للعرب وقوفهم مع الحلفاء ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، التي إنتهت بالقضاء على الدولة العثمانية، وتقسيم العالم العربي، إلى دويلات، ورفض إعطاء الشريف الحسين بن علي ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات الحسين والسير مكماهون، مما إعتبر خديعة، فقام الحسين بإعلان مملكة الحجاز لتمتد إلى العقبة، فلم تعترف بها بريطانيا بل قامت بنفي الحسين إلى صقلية.
وكان الأتراك يقولون أن العرب خانوهم، ولذلك كانوا يتعاملون معهم بحذر، حتى أظهر العرب صدق ولاء، فتجد تركيا تفتح أبوابها للعرب، وكثير منهم يدخلون تركيا بلا تاشيرة، بل كثير من الأسر رحلت لتستقر في تركيا، التي ستكون باْذن الله دولة عظمى مرة ثانية.
قلت للسائق خذني إلى أجمل وأفضل الأماكن في تركيا، فقال كل تركيا جميلة، وهي مشفى للروح والجسد، مياهها علاج للقلب، وأمراض الروماتيزم، وينابيعهاالحارة، تقدم لزوارها علاجًا ثنائيًا مثاليًا يجمع بين ترفيه النفس، وعلاج الجسد بطرق وأساليب نادرة.
في تركيا يا سيدي يختلط الإستشفاء من أمراض الجسد، مع الترويح عن النفس، ويوفر كافة وسائل الراحة.
وتُعدّ ينابيع المياه الساخنة المنتشرة في عدة مدن بتركيا، أداة طبيعية للاستجمام؛ حيث تخرج مياهها مصحوبة بفقاعات هواء من باطن الأرض، في درجة حرارة تتراوح بين (60-55) درجة مئوية، فتكون ملاذا للسكان الأتراك، وللسياح في ظل قسوة فصل الشتاء، وموجة الثلج التي تعيشها البلاد في فصل الشتاء ما جعل تلك الينابيع وسيلة الاستجمام الشتوية المفضلة، والأكثر ارتيادًا.
ويزيد عدد الحمامات المعدنية في ولاية بورصة على 3000 حمام ذات مياه ينابيع ساخنة، ما يكسب المدينة سحرًا ريفيًا، وفرصة ذهبية للسياح للتوجه إلى الحمامات في المدينة الصغيرة “تيرمال”، الواقعة على بعد 12 كيلومترا إلى الجنوب الغربي من يالوفا أو “يلوا” باللفظ العربي، التي تحتضن الغابات وبها مدينة تيرمال، والمنتجع الريفي المشهور بينابيعه المعدنية، فـ”تيرمال” مدينة الينابيع المعدنية منذ أيام الرومان، وترتفع عن سطح البحر ما يقارب العشرة أمتار.أحصيت عددا من المغاطس التاريخية الشهيرة ومنها، مغطس “السلطان”، و”حمام الوالدة”، و”حمام قورشونلو”، ويتضمن حمام “قورشونلو” التاريخي حوضًا للسباحة في الهواء الطلق، بالإضافة إلى الأحواض الداخلية والحمام البخاري (الساونا). و”الحمام القروي”.
وتعد زيارة الحمامات في المجتمع التركي التقليدي، مناسبة اجتماعية ذات أهمية لكلا الجنسين، فهي فرصة لالتقاء الأصدقاء والأقرباء، وتبادل الأحاديث المختلفة وتناول الشاي.
وعند تبديل الملابس في هذه الحمامات، يتم بالعادة ارتداء لباس سباحة، أو وضع منشفة معدّة للسياح، ومصممة من قبل مؤسسات مختصة، تُعنى بذلك، ثم الاتجاه إلى الحمام، وحجرة المياه الساخنة، حيث سيفتح البخار المتصاعد فيها مسام جلدك فتحًا بطيئًا، مزيلًا طبقة الأوساخ التي غطت سطح الجلد، وبعد تعرّق طويل ومريح، يمكنك أن تنظف نفسك باستخدام الصابون مع الإسفنج الطبيعي والماء، أو أن تختار قيام أحد العاملين في الحمام بذلك، وهو الخيار المفضل.
وبعد هذا الاغتسال الكامل، سيكون أمامك خيار التدليك (المساج)، وهو ما يجب أن يجربه الزوار والسياح، ويجده غير المعتادين عليه قاسيًا قليلًا، ويشبهه بعضهم بالمرور في غسالة ثياب.
في يلوا مواقع مثلى للتنزه، وممارسة الهرولة، وركوب الدراجات. وعلى طول بعض الحمامات خارج المدينة، يمكنك الاستمتاع بالصوت اللطيف لخرير مياه الجداول والشلالات الصغيرة، وقد هيئت للأسر المصطافة في المناطق المشجرة، طاولات تنزه ومواقد صغيرة (مناقل من أجل الشواء التركي).اما الزوار الذين لديهم الاستعداد للمضي أبعد في الريف، فالعديد من الفنادق، تنظم رحلات إلى شلال “صودوشان” (Sudüşen) القريب، وإلى هضبة “دلمجه” (Delmece)، وكلا الموقعين، يستحق الزيارة وقضاء بضعة أيام فيهما، وتنظم معظم الفنادق أيضًا نزهات على ظهور الخيل في الريف للمهتمين بهذا النشاط، استرخيت في مياه معدنية فاترة ومنخفضة التوتر، تحتوي على الكبريت، وعدد من المركبات الأخرى، كأملاح الصوديوم والكالسيوم. والتي يستفاد منها بمعالجة أمراض المعدة والأمعاء، وأمراض القرحة والاثنى عشر المزمنة، وأمراض القولون النازل، وداء الشلل التشنجي، وأمراض الإفرازات المعوية، والطفيليات المعوية، وأمراض الباسور والناسور، والتهابات الجهاز الهضمى والجهاز العصبي، وحالات الروماتيزم المتفسخة، وحالات روماتيزم الأنسجة الغضة والدقيقة.
سويعات في الحمامات تعيد الشيخ إلى صباه وتصلح ما أفسده الدهر.