“النيل”… أعظم أنهار العالم

“النيل”… أعظم أنهار العالم

“النيل”… أعظم أنهار العالم

ترجع تسمية نهر النيل وهو أطول أنهار العالم وأعظمها، إلى المصطلح اليوناني Neilos، كما يطلق عليه في اليونانية أيضا اسم Aigyptos وهي أحد أصول المصطلح الإنجليزي لاسم مصر Egypt. ذلك النهر العظيم يقع في الجزء الشمال الشرقي من قارة أفريقيا، ويمتد في مسار يبلغ طوله 6,695 كم من يبدأ من المنبع عند بحيرة فيكتوريا الواقعة بوسط شرق القارة، ثم يتجه شمالا حتى المصب عند مدينتي دمياط ورشيد في البحر المتوسط، يغطي مساحة 3.4 مليون كم2، يمر فيها بعشر دول إفريقية هى ما يُطلق عليها “دول حوض النيل”.
وقد ظل النيل يمثل لغزًا غامضًا للكثيرين حتى منتصف القرن التاسع عشر، ففي العام 1858 استطاع المستكشف الإنجليزي جون سپيك الوصول إلى بحيرة ڤيكتوريا، وأعقب جهوده مواطنه صاموئيل بيكر الذي استطاع الوصول إلي بحيرة ألبرت في العام 1864؛ ثم قام المستكشف الألماني جورج أوجست شڤاين فورث باستكشاف بحر الغزال في الفترة بين عامي 1868 و1871، وواصل تلك الجهود هنري مورتون ستانلي الذي قام باستكشاف بحيرة فيكتوريا في العام 1875 وتبعها بالوصول إلى بحيرة إدوارد العام 1889.
وتتشكل رحلة النيل من منبعه إلى المصب عبر فرعين رئيسيين يقوما بتغذيته، وهما “النيل الأبيض” في شرق القارة، و”النيل الأزرق” في إثيوبيا؛ ويبدأ أول الفروع من بحيرة فيكتوريا، وهي ثالث البحيرات العظمي بالقارة الأفريقية والواقعة على حدود أوغندا، وتنزانيا وكينيا، وتعتبر هي المصدر الأساسي لتغذية النيل الأبيض، كما يعتبر نهر روفيرونزا في بوروندي هو الحد الأقصى لنهر النيل، وهو يشكل الفرع العلوي لنهر كاجيرا الذي يقطع مسارًا طوله 690 كم قبل دخوله إلى بحيرة فيكتوريا؛ ثم تُشكل المسافة البالغة 500 كم مرورًا ببحيرة “كايوجا” ثم بحيرة “ألبرت” ما يُعرف باسم “نيل فيكتوريا”، أما المسافة الواقعة حتى يدخل النهر السودان فتُعرف باسم “نيل ألبرت”؛ ويعرف السودانيون بداية النيل لديهم باسم “بحر الجبل”، وعند اتصاله ببحر الغزال يمتد النيل لمسافة 720 كم يعرف باسم “النيل الأبيض”، ويستمر النيل في مساره حاملا هذا الاسم حتى يدخل العاصمة السودانية الخرطوم.
أمّا النيل الأزرق، فهو يُشكِّل ما بين 80 – 85% من المياه المغذية لنهر النيل، في فترة الصيف فقط بعد الأمطار الموسمية علي هضبة إثيوبيا، بينما لا يشكل في باقي أيام العام نسبه كبيرة حيث تكون المياه فيه ضعيفة أو جافة تقريبًا؛ وينبع هذا النهر من بحيرة “تانا” الواقعة في مرتفعات إثيوبيا بشرق القارة. حتى ذلك الموضع يُعرف باسم نهر “آبباي” الذي يكتسب اسمه الأزرق عند دخوله السودان لمسافة 1,400 كم حتى يلتقي بالنيل الأبيض ليشكلا معًا ما يُعرف باسم “نهر النيل”، ولا يتبقى سوى رافد واحد لتغذيته بالمياه قبل دخوله مصر ألا وهو نهر “عتبره” الذي يبلغ طول مساره 800 كم وهو ينبع من المرتفعات الإثيوبية الواقعة شمالي بحيرة تانا، ويتصل بنهر النيل علي مسافة 300 كم بعد مدينة الخرطوم.
ويعبر النيل الحدود المصرية السودانية، ويستمر في مساره داخل مصر بطول 270 كم حتى يصل إلي بحيرة ناصر الواقعة خلف السد العالي، والتي تُعتبر أكبر البحيرات الصناعية في العالم، والتي تشكلت منها بداية من عام 1998 بحيرات توشكي في الصحراء الغربية في مصر؛ ثم يتجهالنهر العظيم شمالًا حتى يصل إلى نقطتي المصب على البحر المتوسط، وطوال هذا المسار الممتد لا ينفصل إلا جزء من النهر عند أسيوط، ويسمي “بحر يوسف”، والذي يستمر حتى يصل إلى الفيوم.
وباعتباره واحدًا من أكثر أنهار العالم خصوبة، فمنذ فجر التاريخ اعتمدت الحضارات التي قامت على ضفتي النيل على الزراعة كنشاط رئيسي مميز لها، وبدأ هذا في مصر التي كانت من أوائل الدول التي قامت على أرضها الحضارات في العالم، ما جعل لفيضان النيل أهمية كبري في حياة مصر القديمة؛ وكان هذا الفيضان يحدث بصورة دورية في فصل الصيف، ويقوم بتخصيب الأرض التي قام الفلاحون بزراعتها طوال العام بالمياه اللازمة؛ وفي مصر الفرعونية ارتبط الفيضان بطقوس شبه مقدسة، حيث كان المصريون يقيمون احتفالات “وفاء النيل” ابتهاجا بقدوم الفيضان، وقاموا بتسجيل هذه الاحتفالات بالنحت على جدران المعابد والمقابر لبيان مدى قدسية لحظة الفيضان بالنسبة للحياة والإنتاج في مصر؛ وقد ذكر كلٌ من “الإنجيل” و”القرآن الكريم” قصة نبي الله يوسف مع فرعون مصر الذي ارتبط خلاص حكمه ونجاة نبي الله من السجن حينما قام بتأويل حلمه حول السنابل السبع والبقرات السبع، حيث استطاع النبي يوسف استغلال الفيضان خلال سنوات الفيضان السبع المليئة بالرخاء، وأعد ما يحمي البلاد من مخاطر الجفاف والجوع طيلة سبع سنوات عجاف انعدم فيها فيضان النيل.
وامتدادًا للتقديس والأهمية التي حازها النيل في مصر الفرعونية، استقر الفراعنة ومن تولوا بعدهم شؤون مصر من البطالمة ثم الرومان، في تقدير الضرائب على أساس مستوى مياه الفيضان، وكان مقياس النيل عبارة عن عصا مدرجة من البوص توضع طوليًا في مجرى النهر لقياس مستوى مياه الفيضان؛ كما أن مقياس النيل الخاص بجزيرة فيلة وهو واحد من أقدم مقاييس النيل، يتكون من سلم نقشت على جدرانه الداخلية قياسات الفيضان بالأذرع، كما نقش أيضًا توقيت وزمن الفيضان؛ كان مقياس النيل المحمول يحُفظ في معبد الرب سيرابيس؛ حيث كان المصريون القدماء يدينون لسرابيس بالفيضان السنوى واعتادوا أن يعيدوا المقياس المحمول إلى معبده الرب بعد كل قياس لارتفاع النيل، وأطلقوا على المقياس المحمول اسم “ذراع النيل”.
استمرت تلك الطقوس حتى حكم الامبراطور قسطنطين والذي أمر أن يوضع هذا المقياس في كنيسة الاسكندرية ، فعمت الفوضى مصر وشاع بين الناس أن غضب سيرابيس لن يجعل النيل يرتفع هذا العام، ولكن على الرغم من ذلك فقد ارتفع النيل؛ وفيما بعد، أمر الإمبراطور جوليان بإعادة المقياس مرة أخرى لمعبد سيرابيس. وبقى هناك حتى عهد الإمبراطور ثيوديسيوس الأول الذى أمر بتدمير المعبد بالكامل؛ لكن الاهتمام استمر مع دخول الجيوش العربية مصر، فقد اهتم الولاة المسلمون بالفيضان أيضًا، وقاموا بتصميم “مقياس النيل” في العاصمة القاهرة للقيام بقياس دقيق للفيضان، وما زال هذا المقياس قائمًا لليوم في “جزيرة الروضة”.