العزلة في لوحات الفنان الامريكي ادوراد هوبر

-
لوحاتُ الفنان الأمريكي إدوارد هوبر هي عالمٌ من الغموض يجلبُ شعورًا بالعُزلة والكآبة على المُشاهد؛ عناوين أعماله وحدها تُعطي انطباعًا أول بما ستخلفه على المشاهد من شعورٍ، (قطار آخر الليل، مكتب في ناطحة سحاب، مقعد وحيد في الحافلة).. صوَّرت أعماله مدينة نيويورك في فترة الحرب وما بعدها. على الرغم أن لوحاته تبدو بسيطة ولكن في بساطتها يكمن تعقيدها.. يُخيم على لوحاته الهدوء والعزلة وفي أغلب أعماله يستعمل الظلال الداكنة. لوحاته كمقاطع من أفلامٍ للسينما الصامتة حيث يترك أمام المشاهد حرية تأليف القصة الخاصة به فقد صرَّح أكثر من مرةٍ قائلًا: (لا أملك أي تفسير لما أرسمه سوى هذا الرسم الذي أمامكم على الجدار) في أغلب لوحات هوبر كانت الإضاءة ناتجةً من ضوءٍ للشمس، ضوء فج، شارد، هذا الضوء في كثيرٍ من الأحيان يصطدم بنظر أبطاله فيخفضون أعينهم إلى أسفل وهذا يُعطي انطباعًا بأن النظر يكمن في أرواحهم، فنجدهم يبعدون عن الزمان والمكان وتشترك المرأة في لوحاته بالنظرة نفسها، مُحدقةً من النافذة في الفراغ وإلى اللاشيء، في محاولةٍ منها للتواصل مع العالم فهي تبحثُ عن شيءٍ ما أو في انتظار شيءٍ ما، فثمَّة شيءٌ ما مجهولٌ سيحدث، لينتشلها من أحزانها ومن واقعها الرثِّ .
شغلت المرأة عددًا كبيرًا من لوحات الفنان إدوارد هوبر، ووجدنا في لوحاته النساء يتشابهن ليس في الملامح لأنه نادرًا ما اهتم بإبراز المشاعر من خلال الوجه، على العكس فلطالما وجدنا المرأة في لوحاته تنظر لأسفل أو تشيح بنظرها في الاتجاه الآخر وهي تتأمل في اللاشيء، كانت بطلاته يتشابهن وجدانيًّا.. حيث اهتم بإظهار مشاعر المرأة وما يدورُ في خلدها من خلال العمل ككل .
امرأة هوبر دائمًا مشحونةٌ وممتلئةٌ بعواطف لا تجد مساحةً في التنفيس عنها، لذلك لوحاته بلا ديناميكية، فجسدُ المرأة في حالة تيبُّس، تسمُّر، وكأنه جسدٌ بلا حياةٍ، جسدٌ بلا انسيابيةٍ أو حيويةٍ سواء كانت تجلسُ أو تقفُ أو تمشي أو مستلقية على الفراش.
من أشهر وأجمل لوحاته عن المرأة لوحة (المطعم الآلي) تُصور اللوحةُ امرأةً تجلسُ وحيدةً تتناولُ قهوةً في وقتٍ متأخرٍ من الليل؛ المقعد المُقابل للمرأة فارغٌ فربما هي كانت تنتظر أحدًا أو أن أحدهم تركها وذهب، تُنكس رأسها لأسفل والمشهد العام يدل على أنها ليست على ما يُرام
لوحة فيلم في نيويورك تظهر مرشدة الصالة وقد وقفت كئيبةً في أحد الأروقة على مقربةٍ من المقاعد التي جلس فيها الزبائن يُتابعون الفيلم، تنقسم اللوحة لقسمين: الجزء الأول داخل قاعة العرض مظلمٌ بينما تقف المرشدة تحت ضوء المصباح الجداري الذي يعكسُ ضوءًا برتقاليًّا مشعًّا غارقةً في تأملاتها الخاصة ومن الواضح أن الدراما الخاصة بها تشغلها عن أحداث الفيلم نفسه، فهي أكثر سيطرةً عليها من المشاعر، من الأحداث المتكشفة على الشاشة.
لوحة( مقطورة سي ) تظره فيها امراة وتحمل كتاب ما بين يديها، وهي جالسة في مقطورة قطار يشق طريقه عبر المناظر الطبيعية، ، تبدو المرأة منشغلة بأفكارها أو ذكرياتها الخاصة، ولكنها تقلب في الكتاب في محاولة منها لتشتيت أفكارها.