الجامع الأموي… تحفة الوليد التي تحدت الزمن

الجامع الأموي… تحفة الوليد التي تحدت الزمن
يُعّد “جامع بني أمية الكبير”، والذي يُعرف اختصاراً بـ”الجامع الأموي”، هو رابع أشهر المساجد في التاريخ الإسلامي بعد الحرمين الشريفين في مكة والمدينة والمسجد الأقصى، وهو المسجد الذي أمر الوليد بن عبد الملك، سادس خلفاء بنو أمية، بتشييده في دمشق، في عام 705 الميلادي؛ وقد حشد له الكثير من الصناع من الفرس والهنود، كما أوفد إمبراطور بيزنطة مائة فنان من اليونان للمشاركة في زخرفته وتزيين جدرانه.
وقد نال الجامع عبر العصور الكثير من المدح والوصف عبر التاريخ من الرحالة والمؤرخين والأدباء الذين مروا بدمشق عبر العصور، وحظى سقف الجامع وجدرانه بإعجاب خاصبسبب روعة زينة السقف وجدرانه الفسيفسائية الملونة، والرخام المستعمل في البناء، وهي الزينة التي شهدت العصور التالية طمس أغلبها بناءً على فتاوى مُتشددة بعدم جوزاها حتى أعيد اكتشافها وترميمها عام 1928؛ كما أن المئذنة الشمالية التي تعود لعهد الوليد تعتبر السبب في انتشار نموذج المئذنة المربعة إلى سائر أنحاء سوريا وشمال إفريقيا والأندلس؛ كما يحتوي الجامع على مدفن جسد يوحنا المعمدان -والذي قيل إنه النبي يحيى- حيث لم يبقَ من آثاره المسيحية سوى جرن العماد ونقش باليونانية في مدح السيد المسيح على أحد الجدران، وكذلك الفتحة التي وضع فيها رأس الإمام الحسين بن علي حين حُمل إلى دمشق، ثم أُلحق بالمسجد مقبرة تضم رفات صلاح الدين الأيوبي.
ويحتل فناء الجامع الجزء الأكبر من مساحته، وهو يغطي الجزء الشمالي، في حين يغطي حرم الجامع الجزء الجنوبي من المسجد؛ وتتكون المساحة الداخلية من الحرم من ثلاثة أروقة موازية لاتجاه الصلاة نحو مكة المكرمة، تتقاطع في وسط الحرم مع رواق كبير، يوازي جدار القبلة ويواجه المحراب والمنبر. وينقسم الجناح المركزي في الأروقة إلى نصفين ويتكون من أحد عشر قوسًا؛ وداخل فناء الجامع ثلاث منشئات صغيرة، أولها “قبة الخزنة” التي أنشئت بداية في العهد العباسي في عام 789، واستخدمت كخزنة لأموال الجامع، ومن ثم أصبحت مكتبة لكتب ومخطوطات الجامع النفيسة، و”قبة الوضوء” وهي مجوفة مثمنة من رخام قائمة على أربعة أعمدة رخامية في وسطها أنبوب ماء من النحاس يمج الماء إلى الأعلى، أما “قبة الساعات” فتقع في الجهة الشرقية من الفناء، ويعود تاريخها إلى العهد العثماني حيث نُقلت إليها الساعات الموجودة على باب الجامع، وجعلوا منها مركز التوقيت.
أمّا عن القباب، فأكبرها “قبة النسر”، وهى إحدى إنجازات الوليد بن عبد الملك، وتقع فوق مركز قاعة الصلاة، بارتفاع 45 مترًا وقطرها 16 مترًا، وترتكز على طبقة تحتية مثمنة مع اثنين من النوافذ المقوسة على جانبيها، وتم دعمها بأعمدة الممرات الداخلية المركزية؛ كما يضم الجامع ثلاث مآذن، وهي “مئذنة العروس” و”مئذنة قايتباي” و”مئذنة النبي عيسى” التي اكتسبت هذا الاسم بسبب الاعتقاد السائد بأن النبي عيسى سينزل في آخر الزمان في هذا الموقع لمحاربة الدجال.
ويحتوي الجامع الأموي على أربعة أبواب رئيسية، أولها “باب جيرون” الذي يقع على الحائط الشرقي ويقابل حي النوفرة، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، حيث يوجد في الوسط باب كبير وإلى جانبيه بابان صغيران، و” باب العمارة” الذي يقع على الحائط الشمالي تحت مئذنة العروس من ناحية العمارة، وهو مؤلف من بوابة واحدة تطل على صحن فناء الجامع الأموي، و”باب بريد” الذي يقع على الحائط الغربي مقابل ساحة المسكية، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، حيث يوجد في الوسط باب كبير وإلى جانبيه بابان صغيران، و”باب الزيادة” الذي يقع في الجهة الغربية من الحائط الجنوبي مقابل سوق الصاغة، وهو الباب الوحيد المؤدي مباشرة لحرم المسجد، وقد سُمي بهذا الاسم لكونه أُحدث زيادةً في سور المعبد عند بناء الجامع في عهد الوليد؛ وقد زود الجامع الأموي في كل العهود بساعة شمسية، وساعة فلكية، وساعات أخرى، اختلفت أشكالها وأحجامها باختلاف العصور.