الأيدي الذهبية

يعتبر فن الخط العربي من أهم الفنون الإسلامية وأصعبها، وذلك لأن الفنان فيه لا يملك سوى القلم، هذا القلم يقوم بأداء كل وظائف الآلات الأخرى التي يمتلكها الفنانون في سائر الفنون الأخرى.
-
- الفنان محمد عماد محوك، كل عمل من أعماله له سحره وجماله وجاذبيته الخاصة، أعماله مستلهمة من التراث العربي الإسلامي وفق منظوره الإبداعي الفريد.
-
- الفنان محمد عماد، من مواليد مدينة حلب 1959، خريج جامعة حلب كلية العلوم قسم الفيزياء النووية، حائز على دبلوم بترميم المخطوطات من مكتبة السليمانية بإسطنبول عام 1990، عمل بمدينة حلب في خان الشونة (سوق المهن اليدوية) وكان لديه غرفة خاصة في جامع السلطانية ويعمل حالياً في منزله بإسطنبول، قام بترميم العديد من المخطوطات والمصاحف القديمة، حصل على جائزة في الخط الجلي تعليق بمسابقة الخط العربي في اسطنبول.
-
- أحببت الخط منذ صغرك، من هو ملهمك الأول في هذا الحب؟
-
- كان أبي موظفاً بسيطاً، لكنه صافٍ وجميل، لم يكن خطاطاً، لكنه كان ملكاً حين يكتب، وكنت تراني أقف مذهولاً وأنا أراقبه، فقد كان يتعامل مع الحرف بقدسية ومحبة، أورثني إياهما منذ الصغر، كما كان أستاذي في الصف الأول ذا خط جميل، وأذكر أنني في ذلك الحين وأنا أتعلم على ألف باء الكتابة، كتبت له حرف الواو فقال لي الأستاذ “واوك جميل جداً” رافقتني هذه الجملة خمسين عاماً.
-
- تخرجت من كلية العلوم قسم الفيزياء النووية ولكنك سعيت وراء شغفك بالخط العربي. ما الذي أضافته دراستك الجامعية إلى هويتك الفنية الخاصة؟
-
- عندما تخرجت من كلية العلوم قمت بتقديم الشهادة التي حصلت عليها لوالدي و والدتي واستأذنتهم أنني سأتجه اتجاه عماد الحقيقي، ليس في الدراسة والفيزياء والرياضيات، علم الرياضيات عالم واسع جداً منحني القدرة على التخيل في فضاءات واسعة وأفادتني كثيراً في تكوين شخصيتي وتشكيل الخطوط بهندسية جديدة فيما بعد.
-
- في عام 1990 تم قبولك بشكل فردي لالتحاق بدورة ترميم المخطوطات في مكتبة السليمانية في إسطنبول، هل يمكن لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟
-
- تعلمت الكثير عدا الترميم والتجليد، كنت الخطاط الوحيد في هذه الدورة، فلقد علم الأساتذة حبي وشغفي بالخط العربي فقاموا بإعطائي المزيد والذي لم يكن مقرراً في منهاج الدورة ومنها بعض العلوم والأسرار المتعلقة بصناعة الورق وتحضيره وتقهيره إضافة إلى طرق صناعة الحبر اليدوي، وفي نفس الوقت تتلمذت على يد الأستاذ حسن شلبي خلال فترة بسيطة، عندما كنت أطلعه على كتاباتي في خط الثلث كان يقول لي إن طريقتك صحيحة ولكن ليست أكاديمية بالمعنى التقليدي، شبهتني أستاذتي في دورة الترميم بذلك العشب الأخضر الذي ينمو بين الصخور، قالت أنني أختار الطريق الصعب ولكنني سأنمو وازداد علماً في الخط، أثناء تواجدي في مكتبة السليمانية وإقامة الصلاة في جامع السليمانية هذا الطريق القصير ما بين المكتبة والجامع، كنت أخرج من عالم غني ومليء جداً بالمخطوطات واللوحات والخطوط والكتب إلى عالم قره حصاري بشكل فردي من خلال كتاباته في أرجاء الجامع، رويداً رويداً أصبحت أشعر أنني قريب من الأستاذ أحمد قَرَه حِصاريّ أكثر من أي أستاذ آخر رغم تتلمذي على أيدي الكثير من خلال المخطوطات واللوحات، أحسست أنني قريب منه أكثر وأنه قريب مني.
-
- غرفتك الصغيرة داخل جامع السلطانية الأيوبي في حلب القديمة مقابل قلعة حلب الأثرية، هل لك أن تحدثنا عن ذكرياتك فيها؟
-
- العزلة ضرورية لهذا النوع من العمل. كان هذا المكان يربطني بتاريخنا كله ويبقيني في الوقت ذاته بعيداً عن المجتمع الحديث وصخبه، لأنه معزول خلف جدران سميكة، كانت هذه الحجرة الصومعة مفعمة بالطاقة منحتني السكينة وكانت الجو المناسب للدخول في الحالة الذهنية اللازمة. وكانت تمنحني المقدرة للكتابة غير محدودة، وقد أنجزت فيها أهم عملين في حياتي هما النسخة الكاملة من القرآن الكريم بخط جليل المحقق إضافة لوحة الإخلاص والعديد من الأعمال الأخرى.
-
- هل لك أن تحدثنا عن أهم عمل برأيك وجدت نفسك فيه؟
-
- نسخة من القرآن الكريم بخط جليل المحقق، الصفحة الواحدة مقاس 50×35 سم كل جزء مكون من 104 صفحة، حيث وصل عدد صفحات القرآن كاملا بحدود ثلاثة آلاف صفحة، خلال فترة زمنية سنة ونصف تقريباً، وتم تسليم هذا العمل في دولة قطر، ما ميز العمل في هذه النسخة هو أنني كتبتها بقصبة واحدة من نوع الجاوا وبقطة واحدة لكامل النسخة، وما زلت أحتفظ بتلك القصبة، أثناء خط النسخة ولمرات متعددة كنت أشعر بلحظات أن أصابعي والقلم والحبر والورق جسدٌ واحد وما تخطه يداي وكأنه خارج عن إرادتي وكأن السور والآيات كانت تكتب من تلقاء نفسها وأنا كنت مجرد شاهدٍ أولي على ذلك.
-
- وبالنسبة للوحات قمت بتنفيذ لوحة بطول 11 متر وعرض 17 سنتم، سميتها لوحة الإخلاص والتي من المعروف أنها سورة عبارة عن سطر واحد في القرآن، في بدء اللفافة اللوحة سورة فاتحة الكتاب بزخرفة مملوكية، يليها على محيطها سورة الكهف، والخاتمة سورة الواقعة، والمتن الرئيسي للوحة هي سورة الإخلاص فقط بجميع أنواع الخطوط والتراكيب المتنوعة من الكوفي المدني إلى المشرقي والمربع إلى الريحاني والمحقق والثلث والديواني والجلي ديواني… ، كان العمل فيها ممتع جداً، قضيت سنة ونصف في تنفيذها، وكان لها أثر كبير على شخصيتي، أعطتني سورة الإخلاص التفاني في العمل والإخلاص فيه، الناقد الفني أسعد عرابي عندما شاهد هذا العمل في مدينة حلب أثناء احتفالية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، قال: لم يقم أحد بمثل هكذا مخطوط منذ مائة عام على الأقل.
-
- بخلاف المخطوطات التي قمت بتنفيذها على الورق، هل لك أن تحدثنا عن أعمال أخرى قمت بتنفيذها؟
قمت بتنفيذ عدد من المجسمات الخطية منها المجسم الموجود في خان الوزير بمدينة حلب، والكتابات في بعض المساجد وأيضاً استخدمت الخط وتشكيلاته في تصاميم خطية للمجوهرات، ولدي دراسة كاملة مع نماذج لكتابة نسخة من القرآن الكريم أعمل عليها حالياً وبخط جليل المحقق لتكون معدة للطباعة بمواصفات فنية عالية وباحترافية وهي امتداد لما دأب عليه أجدادنا في عنايتهم بالقرآن الكريم.