أوزبكستان.. رحلة عبر الزمان والمكان

-
أحمد صوان
-
تعتبر السياحة في أوزباكستان هي رحلة سفر عبر الزمان والمكان، حيث تستغرق صاحبها في تفاصيلها الثرية، سواء كانت بشرية أو تاريخية، وسط ما يقرب من 40 مليون نسمة هم عدد سكان البلاد التي أنشأت العام الماضي وحدة شرطية خاصة بالسياحة في أشهر مدنها، لمساعدة الوافدين على معالمها من شتى أنحاء العالم.
وتتميز أوزباكستان بمناخ لطيف ومعتدل معظم أيام العام، فيكون مثاليًا للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة؛ ويُعتبر أفضل وقت للسفر إلى هناك من شهر فبراير إلى شهر مايو وهي ذروة الموسم السياحي، كما يمكن زيارتها في فصل الشتاء في شهري ديسمبر ويناير؛ ففي فصل الصيف يكون الطقس جاف شديد الحرارة، وفصل الربيع تكون في أبهى حُلّة ويزينها الأزهار وينتشر اللون الأخضر في أرجائها والتي تُهيئ لاحتفالات النيروز، ومهرجان الحرير والتوابل، بينما في فصل الشتاء يزداد سحرها وترتدي ثوبها الأبيض عندما تكسوها الثلوج، في حين يُتيح فصل الخريف الاستمتاع بأشعة الشمس الدافئة مع بعض النسائم الباردة.
لا يعرف الكثيرون أن العديد من المدن الشهيرة في التاريخ الإسلامي، خاصة خلال فترة الخلافة العباسية، تقع الآن داخل حدود الجمهورية الأوزبكية، ربما أشهرها هي مدينة “طشقند” وهي المقصد الأول للرحلات السياحية، ليس فقط لأنها العاصمة، ولكن المدينة نفسها اشتهرت بالجمال وحسن التنسيق وكثرة الحدائق الخضراء في ربوعها، بالإضافة إلى المباني التي شيّدت في العصور الوسطى، والتي استقرت جنباً إلى جنب مع طراز العمارة السوفيتية بطابعها الاشتراكي المعروف ولمسة أخرى من البنايات الأوربية الحديثة.
ويعتبر “قصر رحمانوف”، والذي يرجع تاريخ تشييده إلى عام 1891 الميلادي، من أهم مزارات العاصمة، وهو مقر الإقامة القديم للأمير “رحمانوف” حفيد الإمبراطور نيقولا الأول -الذي نفي من قبل والديه إلى “طشقند” حتى مات فيها عام 1918- وقد كان الأمير مولعاً بالصيّد، ما جعله يُزيّن مدخل القصر بالعديد من تماثيل الحيوانات البرونزية بالإضافة إلى الديكورات الداخلية. تحتوي العاصمة كذلك على “برج التلفزيون” الذي يُعّد من أعلى المباني في منطقة وسط آسيا، إذ يبلغ ارتفاعه نحو 375 متراً كما أنه مقاوم للزلازل التي أقل من 9 درجات بمقياس ريختر، ويحتوي على ارتفاع 150 متر عدة صالات تضم مطاعم حديثة تقدم الأطباق الأوروبية والأوزبكية على السواء؛ إضافة إلى منصة مُعدّة خصيصاً للسياح الراغبين في التقاط صوراً مميزة للمدينة من أعلى نقطة.
من المعالم الشهيرة كذلك “مدرسة باراك-خان” والتي بُنيت في القرن الخامس عشر الميلادي، وسرعان ما تحولت إلى مركز توجيه أساسي لمسلمي آسيا الوسطى؛ وتضم إحدى أهمّ مكتبات المخطوطات في العالم، والتي تضم بعض أندر نسخ القرآن الكريم والكتب الإسلامية؛ وقيل إنها تضم نسخة المصحف الذي كان يقرأ منه الخليفة عثمان بن عفان عندما قتُل، وأن الصفحات لا تزال تحتفظ بقطرات دمه التي تناثرت بعد مقتله.
ويعتبر “سوق ألاي” بالعاصمة من أقدم الأسواق في أوزباكستان، ويُعتقد أن تاريخه يرجع إلى القرن الثاني عشر الميلادي؛ وقد نشأ السوق بداية كمحطة تجارية في طريق الحرير لبيع الأغنام والماشية ثم تحول لاحقاً إلى سوق كبيراً نظراً لموقعه الجغرافي، وتُعرض الأن في السوق جميع أنواع البضائع بدءًا من الحلويات الشرقية، وأنواع الفواكه الغريبة وانتهاء بالمجوهرات والذهب والفضيات. هناك كذلك “سوق شرسو”، والذي يُعتبر من أقدم الأسواق أيضاً في طشقند، إذ يرجع تاريخ وجوده إلى نحو 100 عام، ولا يزال يحتفظ ببعض ملامح السوق القديم مثل القباب العالية التي تقي الباعة والمشترين حرارة الشمس، ويعد مجمعاً تجارياً متكاملاً يعرض كل أنواع البضائع مثل الفاكهة الطازجة والمجففة، الخبز الاوزباكستاني الخاص المعروف باسم “ليبيشكا”، لحوم الخيول، والملابس وغيرها.
أما مدينة “سمرقند” الشهيرة فهي ثاني أكبر المدن في البلاد بعد العاصمة “طشقند”، ويُعتقد أن تاريخ نشأتها يماثل تاريخ وجود مدينة بابليون في الإمبراطورية الرومانية، ما يجعل عمر المدينة يربو على 2750 عام، شهدت خلالها الكثير من الأحداث التاريخية منذ عصر الاسكندر الأكبر مروراً بالفتح الإسلامي وحروب “جنكيز خان” أشهر أباطرة المغول؛ وتتميز المدينة بمناخها الثقافي الذي يُعدّ مزيجاً من عدة حضارات قريبة كالفارسية والهندية والغربية والعربية والأوروبية؛ ما جعل لها أهمية دينية وتاريخيها أهلتها بقوة لتكون على قائمة منظمة اليونسكو للتراث العالمي الإنساني في العام 2001 لأنها كانت وصلة بين الصين وأوروبا في العصور القديمة. وتعمل السلطات اليوم على الترويج لها كقبلة سياحية تاريخية.
ويرى البعض أن زيارة سمرقند دون زيارة “سوق شياب” يعني أن الرحلة ينقصها شيء ما، فالسوق الذي يقع على مقربة من أهم الأماكن السياحية في سمرقند مثل مسجد “بيبي خانم”، ومسجد “حضرة خيزر”، ينتظم على شكل خمسة ممرات يصطف الباعة على جوانبها لبيع الخضروات والفاكهة بشكل خاص طوال اليوم، وتوجد العديد من المعروضات في السوق مثل الفواكه المجففة، والمرطبات، والوجبات السريعة، والحلويات؛ وكذلك فإن من أشهر البضائع التوابل الفريدة في أشكالها وألوانها وحتى الأنواع النادرة منها، أما أشهر البضائع التي تلفت أنظار السياح فهو الخبز الذي يوجد منه أكثر من 17 نوعاً مختلفاً؛ ولمحبي المعرفة والنميمة فإن زيارة واحدة إلى سوق شياب في سمرقند تضمن لك الحصول على أخر أخبار ومستجدات المدينة، حيث يعتبر السوق ملتقى المواطنين المحليين والمكان الذي تناقلون فيه أخبارهم.
لا تفوتك في الزيارة كذلك مدينة “خيوة”، والمعروفة لدي كثيرين باسم “خوارزم”، وهي أولى محطات المغول في غزو العالم الإسلامي خلال فترة الخلافة العباسية؛ ويحلو للسياح اطلاق اسم “المدينة المتحف” على المدينة التي اعتبرت لفترة طويلة إحدى أهم المدن التجارية في طريق الحرير؛ وتدور كثير من الأساطير حول نشأة المدينة منها أن الناس تجمعت حول بئر للمياه العذبة الباردة حفرها سام ابن النبي نوح، والتي لا تزال قائمة حتى الأن.